الأربعاء، 6 مايو 2009

سيره الرسول

محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نذار بن معد بن عدنان . إلى هنا معلوم الصحة . وما فوق عدنان مختلف فيه . ولا خلاف أن عدنان من ولد إسماعيل وإسماعيل هو الذبيح على القول الصواب . والقول بأنه إسحاق باطل .
ولا خلاف أنه صلى الله عليه وسلم ولد
بمكة عام الفيل . وكانت وقعة الفيل تقدمة قدمها الله لنبيه وبيته وإلا فأهل الفيل نصارى أهل كتاب دينهم خير من دين أهل مكة . لأنهم عباد أوثان . فنصرهم الله نصرا لا صنع للبشر فيه تقدمة للنبي الذي أخرجته قريش من مكة . وتعظيما للبلد الحرام وكان سبب قصة أصحاب الفيل - على ما ذكر محمد بن إسحاق - أن أبرهة بن الصباح كان عاملا للنجاشي ملك الحبشة على اليمن فرأى الناس يتجهزون أيام الموسم إلى مكة - شرفها الله - فبنى كنيسة بصنعاء . وكتب إلى النجاشي " إني بنيت لك كنيسة لم يبن مثلها ، ولست منتهيا حتى أصرف إليها حج العرب " فسمع به رجل من بني كنانة فدخلها ليلا . فلطخ قبلتها بالعذرة . فقال أبرهة من الذي اجترأ على هذا ؟ قيل رجل من أهل ذلك البيت سمع بالذي قلت . فحلف أبرهة ليسيرن إلى الكعبة حتى يهدمها . وكتب إلى النجاشي يخبره بذلك فسأله أن يبعث إليه بفيله . وكان له فيل يقال له محمود لم ير مثله عظما وجسما وقوة . فبعث به إليه . فخرج أبرهة سائرا إلى مكة . فسمعت العرب 34بذلك فأعظموه ورأوا جهاده حقا عليهم .
فخرج ملك من ملوك
اليمن ، يقال له ذو نفر . فقاتله . فهزمه أبرهة وأخذه أسيرا ، فقال أيها الملك فاستبقني خيرا لك ، فاستبقاه وأوثقه .
وكان أبرهة رجلا حليما . فسار حتى إذا دنا من بلاد
خثعم خرج إليه نفيل بن حبيب الخثعمي ، ومن اجتمع إليه من قبائل العرب . فقاتلوهم فهزمهم أبرهة . فأخذ نفيلا ، فقال له أيها الملك إنني دليلك بأرض العرب ، وهاتان يداي على قومي بالسمع والطاعة . فاستبقني خيرا لك . فاستبقاه . وخرج معه يدله على الطريق .
فلما مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب في رجال من
ثقيف . فقال له أيها الملك نحن عبيدك . ونحن نبعث معك من يدلك . فبعثوا معه بأبي رغال مولى لهم . فخرج حتى إذا كان بالمغمس مات أبو رغال ، وهو الذي يرجم قبره . وبعث أبرهة رجلا من الحبشة - يقال له الأسود بن مفصود - على مقدمة خيله وأمر بالغارة على نعم الناس . فجمع الأسود إليه أموال الحرم . وأصاب لعبد المطلب مائتي بعير .
ثم بعث رجلا من
حمير إلى أهل مكة ، فقال أبلغ شريفها أنني لم آت لقتال بل جئت لأهدم البيت . فانطلق فقال لعبد المطلب ذلك .
فقال
عبد المطلب : ما لنا به يدان . سنخلي بينه وبين ما جاء له . فإن هذا بيت الله وبيت خليله إبراهيم . فإن يمنعه فهو بيته وحرمه . وأن يخل بينه وبين ذلك فوالله ما لنا به من قوة .
قال فانطلق معي إلى الملك - وكان
ذو نفر صديقا لعبد المطلب - فأتاه فقال يا ذا نفر هل عندك غناء فيما نزل بنا ؟ فقال ما غناء رجل أسير لا يأمن أن يقتل بكرة أو عشيا ، ولكن سأبعث إلى أنيس سائس الفيل فإنه لي صديق فأسأله أن يعظم خطرك عند الملك .
فأرسل إليه فقال لأبرهة إن هذا سيد
قريش يستأذن عليك . وقد جاء غير ناصب لك ولا مخالف لأمرك ، وأنا أحب أن تأذن له .
وكان
عبد المطلب رجلا جسيما وسيما . فلما رآه أبرهة أعظمه وأكرمه . وكره 35أن يجلس معه على سريره . وأن يجلس تحته . فهبط إلى البساط فدعاه فأجلسه معه . فطلب منه أن يرد عليه مائتي البعير التي أصابها من ماله .
فقال أبرهة لترجمانه قل له إنك كنت أعجبتني حين رأيتك . ولقد زهدت فيك . قال لم ؟ قال جئت إلى بيت - هو دينك ودين آبائك ، وشرفكم وعصمتكم - لأهدمه . فلم تكلمني فيه وتكلمني في مائتي بعير ؟ قال أنا رب الإبل . والبيت له رب يمنعه منك .
فقال ما كان ليمنعه مني . قال فأنت وذاك . فأمر بإبله فردت عليه . ثم خرج وأخبر قريشا
الخبر . وأمرهم أن يتفرقوا في الشعاب ويتحرزوا في رءوس الجبال خوفا عليهم من معرة الجيش . ففعلوا . وأتى عبد المطلب البيت . فأخذ بحلقة الباب وجعل يقول
يا رب لا أرجو لهم سواكا
يا رب فامنع منهمو حماكا
إن عدو البيت من عاداكا
فامنعهمو أن يخربوا قراكا
وقال أيضا :
لا هم إن المرء يمنع رحله
وحلاله فامنع حلالك
لا يغلبن صليبهم
ومحالهم غدوا محالك
جروا جموعهم وبلادهم
والفيل كي يسبوا عيالك
إن كنت تاركهم وكعب
تنا فأمر ما بدا لك
ثم توجه في بعض تلك الوجوه مع قومه . وأصبح أبرهة بالمغمس قد تهيأ للدخول . وعبأ جيشه . وهيأ فيه . فأقبل نفيل إلى الفيل . فأخذ بأذنه . فقال ابرك محمود . فإنك في بلد الله الحرام . فبرك الفيل فبعثوه فأبى . فوجهوه إلى
اليمن ، فقام يهرول . ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك . ووجهوه إلى المشرق ففعل ذلك . فصرفوه إلى الحرم فبرك . وخرج نفيل يشتد حتى صعد الجبل فأرسل الله طيرا من قبل البحر مع كل طائر ثلاثة أحجار . حجرين في رجليه وحجرا في منقاره . فلما غشيت القوم أرسلتها عليهم . فلم تصب تلك الحجارة أحدا إلا هلك . وليس كل القوم أصابت . فخرج البقية هاربين يسألون عن - 36 - نفيل ليدلهم على الطريق إلى اليمن . فماج بعضهم في بعض . يتساقطون بكل طريق ويهلكون على كل منهل . وبعث الله على أبرهة داء في جسده . فجعلت تساقط أنامله حتى انتهى إلى صنعاء وهو مثل الفرخ . وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه ثم هلك قد اختلف في وفاة أبيه هل توفي بعد ولادته أو قبلها ؟ الأكثر على أنه توفي وهو حمل . ولا خلاف أن أمه ماتت بين مكة والمدينة بالأبواء منصرفها من المدينة من زيارة أخواله . ولم يستكمل إذ ذاك ست سنين .
فكفله جده
عبد المطلب . ورق عليه رقة لم يرقها على أولاده . فكان لا يفارقه . وما كان أحد من ولده يجلس على فراشه - إجلالا له - إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقدم
مكة قوم من بني مدلج من القافة . فلما نظروا إليه قالوا لجده احتفظ به . فلم نجد قدما أشبه بالقدم الذي في المقام من قدمه . فقال لأبي طالب اسمع ما يقول هؤلاء واحتفظ به .
وتوفي جده في السنة الثامنة من مولده . وأوصى به إلى أبي طالب . وقيل إنه قال له
أوصيك يا عبد مناف بعدي
بمفرد بعد أبيه فرد
وكنت كالأم له في الوجد
تدنيه من أحشائها والكبد
فأنت من أرجى بني عندي
لرفع ضيم ولشد عضد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق